وضحكت انا والجنية مرح على المقلب الذي فعلته بي... ووعدتها ان نبذل معا كل جهد من اجل احضار ذلك الشخص الجني البشري الى المكان الذي تريده ليتسنى لها السيطرة عليه ؛
وطلبت من مرح ان تحدثني من جديد عن ذلك الشخص بدون خداع ؛
فقالت مرح : ـ لم اكذب عليك في شيء بخصوص هذا الشخص، انه فعلا من علمائنا ، تمرد على سلطة "الكاتو"منذ اربعين عاما وفق سنينكم ، وهرب ليندمج مع البشر ،وقد نجح فعلا في هذه التجربة بعد ان اجتاز كل مراحل الخطورة، خاصة وان الجسد البشري سار بنمو طبيعي دون اية مشاكل،وهذا ما ثبت للمطلعين في عالمنا من خلال متابعتهم لهذه القضية بطرقهم الخاصة..وطوال السنوات الماضية كانوا على علم بكل شيء، ولكنهم كانوا يجهلون الجسد الذي اندمج معه، حتى جاءت بالصدفة قصتك مع اختي غادة ، وزواجك منها وما حدث بينكما من تحد لقوانين الحياة ولقوانين عالمين مختلفين ،هذه الصدفة وما حدث لاختي غادة من القبض عليها وسجنها في سجن "قبة النور " لتقضي فيه بقية حياتها.
وفي كل التطورات السريعة التي حدثت اجد نفسي انا مرح قد فقدت اغلى ما لدي وهي اختي غادة ،وعليه عقدت صفقة مع "الكاتو " سلطة عالمي على ان اقوم باحضار "المتمرد" والقبض عليه، مقابل الحرية الكاملة لاختي غادة،وقد غامرت بهذا بمكانتي التي بنيتها منذ سنين طويلة، وفي حالة فشلي في ذلك خلال المدة الزمنية المحددة ، فأنك لا تستطيع ان تتصور ماذا يمكن ان يحدث لك ولاختي غادة...والفشل في عالمي لا وجود له ...".
قلت لمرح : ـ لن نفشل وسنحضره مهما كان الثمن ،ولكن ماذا يتوجب علي ان افعل الان ؟
ـ اولا يجب ان نتعرف على الشخص بشكل عادي، وبعدها نبدأ في بناء علاقة معه بشكل حذر، ثم نتحرك خطوة خطوة بناء على تقييمنا للوضع، خاصة واننا نتعامل مع شخص فريد من نوعه، قدراته تفوق قدرتنا، اضف الى ذلك الخطورة التي يستطيع ان يلحقها بنا ان اكتشف ما نخطط له ، فدعنا اولا نقوم بالخطوة الاولى وبعدها استطيع ان اعرف مدى القوة التي وصل اليها، وبناء عليه سنخطط معا كيف نستطيع ايصاله الى "راس المثلث".
قلت باستغراب: ـ وأين يقع رأس المثلث هذا ؟
ـ انه يا حسن في قمة احد الجبال الموجودة في هذه الرقعة من بلادك، وهو احد المواقع الثلاثة عشر الموجودة في العالم، وقلت لك سابقا ان العالم ينقسم الى ثلاثة عشر مثلثا ، وحيث يكون راس المثلث - في البحر اوالبر- تكون هناك خاصية للموقع، وفي بلادك يقع راس احد المثلثات في قمة احد الجبال، الذي لا يبعد عنك الا عشرات الكيلو مترات .".
ـ ما هي خاصية ذاك الجبل الذي تتحدثين عنه ؟.
شرحت لي مرح مطولا عن عجائب هذا الجبل . لكني لم استوعب كل ماقالته مرح عن ذلك الجبل الموجود في فلسطين ، شككت بأن مرح تكذب دائماً في كل شيء، ولا يمكن ان تكون صادقة ...فلو قالت لي ان هذا الجبل موجود في عالمنا لكنت اقول صادقة ، ولكن هنا وفي هذه الرقعة الصغيرة من هذا العالم الكبير ؟!!...كيف؟؟. "لكزتني" مرح بيدها وقالت لي وهي تبتسم :
ـ "مش مصدق يا حسن ؟".
قلت لها وانا اضحك : ـ بصراحة "مش داخل مخي".. في مكان مثل هذا في هذه البلاد؟ ولو كان موجوداً لسجلناه في عجائب الدنيا ...
قالت : ـ" اسمع يا حسن، احنا اتفقنا على هدف واحد، وما بدي تشك في كل كلمة بحكيها إلك،وبعدين انت بالذات مش لازم تشك في هيك كلام، لانك شفت اشياء اعجب من هذا، ولاّ نسيت رحلتك مع غادة والبلاوي اللي انت شفتها ...". كان كلام مرح مقنعا فعلا ، فقد رأيت بأم عيني اشياء تفوق الخيال والتصور في عالم الجن ، فلماذا لا استطيع ان اقتنع بوجود مثل هذا المكان . نظرت الي مرح وابتسمت ابتسامة ماكرة وناعمة وقالت : ـ "طيب يا حسن ، بتحب تروح على الجبل اللي بحكيلك عنه..."
قلت بفرح وبفضول كبير : ـ نعم خذيني الى هناك الان ... ضحكت الجنية مرح وقالت : ـ "برضو مش مصدقني ،حاضر رح اخذك الى هناك ...". واخذت تضحك وكأني قلت على مسامعها نكتة، واقتربت مني وطوقت بذراعيها عنقي، ووضعت جبينها على جبيني واخذت تضحك بصوت عال فأعلى فأعلى ،وقالت : ـ هل انت مستعد ..؟".
قلت لها : ـ نعم انا مستعد. هيا انقليني الى هناك . ـ " طيب يا حسن، راح احكي لك وين العنوان..و قبل منتصف الليل ..."
..قاطعتها : ـ ولكن لماذا لا نذهب الان ...؟ ـ صعب الوقت متأخر ،وحتى نصل الى هناك تكون الشمس قد اشرقت .". ـ ولكن لماذا لا تنقليني انت الى هناك ؟ ـ كيف بدك انقلك ! احملك واطير فيك لهناك ؟...انت مجنون ولا بتحلم؟". فاستغربت وقلت لها : ـ ولكن الجنية غادة حينما تزوجتني ، نقلتني الى عالمها خلال دقائق، ولم يكن في هذا أية مشقة عليها ... فنظرت الجنية اليّ وملامح الغضب قد بدت على وجهها ،وقالت : ـ "اسمع يا حسن انا لست غادة ...انا مرح ،فان كانت غادة قد نقلتك معها، فمرح لا تفعل هذا من اجل ارضاء غرورك ،وان كان الفضول يشدك لمشاهدة ذلك المكان فهذه مشكلتك انت وليست مشكلتي، واضف الى معلوماتك، ان غادة حينما نقلتك الى عالمنا لم يكن ذلك بسهولة كما تظن،بل ان غادة تكبدت مشقة كبيرة لتقوم بهذا ...مشقة يصعب عليّ وصفها او شرحها ،ولكنها لم تشعرك بهذا حتى لا تجعلك تنزعج فيما لو عرفت حجم المشقة والتعب والثمن من جراء نقلك. كما ان نقل البشر الى عالمنا لا يتم في أي وقت او في أية لحظة، وانما يجب الاستعداد له مسبقا،كل هذا في حالة ان يتم نقل شخص من عالمك الى عالمي، ولكن ولمعلوماتك ... ". قطعت مرح حديثها واخذت تضحك وتضحك بصوت عال واضافت :
ـ" لا يمكن يا حسن ان اقوم بنقلك الى ذلك المكان لان هذا مستحيل، وهذا شيء مختلف عن نقلك الى عالمي، لانك الان موجود في عالمك، والمكان الذي يجب ان نذهب اليه موجود في عالمك ايضاً ،اذن لا يستطيع احد ان ينقل جسدا ماديا من عالم مادي الى عالم مادي بالطريقة المضحكة التي تفكر بها، صحيح اني استطيع ان انقلك الى هناك لتشاهد كل شيء، ولكني لا استطيع ان انقل جسدك المادي،وانا اريد جسدك ايضا ان يكون هناك مرة اخرى، حتى تستطيع ان تذهب إلى هناك بمفردك افهمت ...".
ـ طيب يا مرح لقد فهمت ان هناك فرقا بين ان تقومي بنقلي الى عالمك، وبين ان تقومي بنقلي من عالمي الى أي جزء من عالمي، ولكني لم افهم السبب، وبصراحة اكثر لا اريد ان افهم السبب ,اعطني العنوان وسالقاك غدا هناك. وقامت الجنية مرح بوصف المكان وكيفية الوصول اليه بدقة، وابتسمت وقالت :
ـ "الى اللقاء يا حسن..".
واختفت كالطيف ,رحلت الجنية مرح وتركتني غارقا في التفكير بها اكثر من ذلك المكان الذي ستأخذني اليه في الغد ,فرغم جمال الجنية مرح الباهر الا انها تتميز باسلوب جذاب في الابتسامة، في الغضب، في الهدوء، في الثورة، وحتى في ظهورها واختفائها فإنها تترك انطباعا غريباً، القوة، الجمال، كل شيء في هذه المخلوقة غريب غريب ... انتظرت حتى صباح الغد، وكلي شوق بانقضاء هذا اليوم للذهاب الى ذلك المكان الغريب، تحركت من البيت في ساعات الظهر بعد ان اخذت قسطا من النوم، وتوجهت الى ذلك المكان الذي وصفته لي والذي يبعد من حيث كنت اسكن مدة ساعتين على الاكثر ، ولم يكن الجبل يبعد عن الشارع العام كثيراً، لذا لم يتطلب مني الا ان اسير على الاقدام مسافة عشر دقائق او ربع ساعة، انتظرتها حيث طلبت مني ان انتظر. كان الجو شديد البرودة عاصفا بالغبار ,والجبال التي تحيط به كانت قاحلة من أي شيء، او ربما هذا ما كنت اراه في الظلام ...